الحروب والسلام في الشرق الأوسط- نظرة على التاريخ والتجارة

المؤلف: عبده خال09.08.2025
الحروب والسلام في الشرق الأوسط- نظرة على التاريخ والتجارة

تشير سجلات التاريخ الموغلة في القدم إلى أن أقدم الصراعات المسلحة في العالم القديم قد اندلعت في ربوع بلاد ما بين النهرين، وذلك في العام 2700 قبل الميلاد. هذه البقعة الجغرافية، التي تحتضن حضارات سومر وأكد وبابل وآشور والكلدان، كانت مهداً للتنوير الإنساني. تمتد بلاد ما بين النهرين على طول خارطة اليوم السياسية، لتشمل أجزاء من العراق وسوريا وتركيا وفلسطين وإيران. ويبدو أن قدر هذه الأرض أن تكون مرتبطة بالنزاعات، فالحروب تتجدد باستمرار، مدفوعة بأطماع التوسع الإقليمي والرغبة في الاستحواذ على الموارد، أو حتى بالدفاع عن النفس. ومع تطور المجتمعات، ظهرت دوافع أخرى للحروب، كالخلافات الدينية والثقافية، وأي نزعة تحمل السلاح. إن السجل التاريخي لهذه الحروب حافل بالأحداث الجسام، ولعل السبي البابلي يمثل نقطة تحول في مسار الصراعات، وصولاً إلى عصرنا الراهن. ومنذ فجر التاريخ، تتوق الأعناق إلى السلام، تلك الغاية المنشودة التي تحقق الاستقرار والسلامة، وتتيح تبادل المنافع وتضمن حماية الأفراد والمجتمعات من الخسائر الفادحة. وإذا كان التاريخ قد نقش أول سطوره عن الحروب في عام 2700 قبل الميلاد، فإننا اليوم نعيش في عام 2025 بعد الميلاد، أي أن المنطقة قد قضت ما يقارب خمسمائة ألف عام في أتون الحروب. إنه عمر مديد أثقل كاهل الأجيال، وأحال العظام إلى رميم. سؤال قديم يتردد صداه عبر العصور: ألا يوجد من يضع حداً لهذه الدوامة الجهنمية من الصراعات؟ بطبيعة الحال، يبدو هذا السؤال наивاً وسطحياً، إن سلمنا بأن الحروب كانت على مر العصور أداة من أدوات تهذيب المجتمعات. ولكن هذا لا يعني أن الصراعات يجب أن تكون دائمة، فالسلام لابد أن يتخلل تلك الفترات العصيبة، وإن طال أم قصر. ويبدو أن الرئيس ترامب قد أدرك أخيراً أن الحروب لم تجلب النصر المنشود للسيطرة على العالم. وبغض النظر عن دوافعه، سواء كانت محاولة لتلميع صورته كرجل سلام، أو حتى الحصول على جائزة نوبل المرموقة، فإنه يدرك تماماً أن الجانب التجاري هو الأكثر تأثيراً في حياة الناس، والأكثر قدرة على بث الطمأنينة. وكما ذكرت سابقاً، فإن الحروب ما هي إلا أداة لتأديب البشرية، فلنجعل هذه اللحظات الزمنية فرصة لكي تجف المنطقة من أهوال الحروب، وأن نقلل من حالات التوتر المزمن. ومهما تكن رغبة الرئيس ترامب في الالتفات نحو العملاق الصيني ومواجهته في عقر داره، بعد أن يتخلص من الصدأ المتراكم في منطقة الشرق الأوسط، فإن هذه النوايا قد تمنح المنطقة فترة من الهدوء المؤقت، يمكن خلالها للأفكار التجارية أن تحل محل لغة الحرب. وهناك مؤشرات عديدة تدل على أن ترامب يسعى جاهداً لتحقيق هذه الرؤية التجارية، فهو رجل أعمال ناجح بامتياز. وسواء تخلصت المنطقة من مخاوف الحروب أم لا، فقد حان الوقت لتجربة الحلول التجارية كبلسم شافٍ يخفف من وطأة تاريخ الحرب المرير الذي سيطر على المنطقة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة